مثلما يهتم الموظفون بالميزة التنافسية لشركاتهم لضمان استقرارهم الوظيفي، فإنهم يهتمون أيضًا بجودة الظروف التي يعملون في ظلها، والتعويض المادي المناسب عن جهودهم، وتوازن حياتهم اليومية. يؤكد المؤلف أن للاستثمار في الموظفين تأثيرًا إيجابيًا على أرباح الشركة، فالموظفون غير الموهوبين يؤثرون على جودة المنتج ورضا العميل وسمعة الشركة. لذلك تستطيع الشركات تحقيق الأداء العالي والتميز المالي إذا قدمت لموظفي الصفوف الأولى والعمال غير المحترفين ساعات عمل مرنة، وتأمينًا صحيًا مناسبًا، وفرصًا للترقية؛ ليعم النجاح الشركة وينعم الموظفون بالرفاهية والازدهار.
المؤلف : جودي هيمان عدد صفحات الكتاب : 300 تاريخ النشر : 2010
– ملخص الكتاب ..
– زيادة الإنتاج والأرباح ..
هناك ثلاثة أسئلة جوهرية يطرحها كل موظف داخل أية شركة، أيًا كانت درجته على السلم الوظيفي ..
— سؤال تطرحه الإدارة العليا وكبار المديرين التنفيذيين: هل هناك طرق إضافية لمضاعفة نجاح الشركة .. ؟ — سؤال يطرحه قادة الأعمال: هل من الممكن أن أجني ربحًا من عملي في القطاع الخاص بالشكل الذي يفيد الآخرين كذلك .. ؟ — سؤال يطرحه بقية الموظفين: هل هناك من سبيل ليعم النجاح الشركة والموظفين معًا .. ؟
تمثل إجابة كل سؤال من هذه الأسئلة ضرورة حيوية لجميع الأطراف، بدايةً من كبار المديرين في أكبر الشركات وانتهاءً بأصغر الموظفين في أصغر الشركات. فلطالما كان الهم الشاغل لقادة الشركات هو حجم الربحية؛ لأن حملة الأسهم وأعضاء مجالس الإدارات يقيسون نجاح القادة بهذه الطريقة الوحيدة. وكثيرًا ما قيَّمت بورصة ”وول ستريت“ مدى نجاح الشركات وصعودها إذا استطاع رؤساؤها تقليل نفقاتها وعمالتها والأجور والمزايا التي تُمنح إلى الموظفين. لكن في الوقت نفسه، ينبع شعور كبار المديرين بالرضا من قدرتهم على تحقيق هدف أبعد بكثير من جني الأرباح على حساب مصلحة الموظفين.
ومن جانب آخر، مثلما يهتم الموظفون بالمركز التنافسي لشركتهم لأنه يضمن استقرارهم الوظيفي، فإنهم يهتمون أيضًا بجودة ومستوى الظروف التي يعملون في ظلها، والتعويض المادي المناسب عن جهدهم المبذول، وتوازن حياتهم اليومية.
على الرغم من أهمية إيجاد إجابة لهذه الأسئلة في ظل مناخ اقتصادي قوي ومستقر، فقد عكست الأزمة المالية التي شهدها العالم منذ سنة 2008 ضرورة الإجابة عنها في أسرع وقت. وكما يبين انخفاض مكافآت المديرين التنفيذيين، تواجه الشركات ليس أزمة مالية فقط، بل وتواجه أيضًا أزمة ثقة.
الأسئلة التي فرضتها الأزمة الاقتصادية واضحة: متى ستنمو أرباح الشركات .. ؟ متى ستحظى الشركات بالاستقرار الاقتصادي .. ؟ متى ستنجح ”الولايات المتحدة“ و”أوروبا“ وغيرهما من الدول المتقدمة في إصلاح اقتصادها بالكامل والنهوض من جديد .. ؟ هل سيتراجع الأداء الاقتصادي لدول مثل ”الصين“ و”الهند“ وغيرهما من الاقتصادات الناشئة، أم سيتقدم إلى الأمام .. ؟
كل هذه المخاوف تحيط (وتهدد) نجاح الاقتصاد ونهوضه من حالة الركود. ولكن من ناحية أخرى، لم تكن أزمة الثقة أقل أهمية، بل فرضت بدورها مجموعة مختلفة من الأسئلة: ما مدى طمع وجشع بورصة ”وول ستريت“ .. ؟ هل هدف قادة القطاع الخاص هو النجاح المالي وحسب .. ؟ هل لديهم استعداد للمخاطرة بالاستقرار المادي لكل شخص آخر في العالم .. ؟ تقود كل هذه الأسئلة إلى سؤال واحد أساسي وحاسم: هل ستكون هناك علاقة بين النجاح الذي يتذوقه المتربعون على قمة السلم الوظيفي وأولئك القابعون على بقية درجات السلم .. ؟
– ما بعد التعويض المادي ..
تعتقد شركات كثيرة أن بوسعها تحقيق ميزة تنافسية إذا دفعت لموظفيها أقل أجور ممكنة، لتقلل بذلك من تكاليف العمالة. هذا هو الحال مع العمالة غير المدربة وغير الماهرة التي يرى المديرون أنه من السهل استبدالها بتكلفة زهيدة. وعلى العكس من ذلك، حين يتعلق الأمر بالعمالة الماهرة، حيث تميل الشركات إلى دفع أجور مرتفعة وحوافز مالية تجذب بها أكفأ المهارات.
نتيجة لذلك لم تكن هناك عدالة في توزيع الدخل منذ سبعينيات القرن العشرين، بنسبة ترتفع إلى 15 ٪ في المتوسط ما بين عامي 1970 و 2000 في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. بل وفي الواقع اتسعت هذه الفجوة أكثر منذ عام 1995 وحتى عام 2000 في جميع الدول الأعضاء باستثناء ”أيرلندا“ و”إسبانيا“، كما تجذَّرت المشكلة داخل ”الولايات المتحدة“ التي وصل غياب عدالة التوزيع فيها إلى أعلى معدلاته في عام 1995 ، ثم للمرة الثانية في عام 2005 هذا ويؤدي غياب عدالة التوزيع في ظل الظروف الاقتصادية المستقرة إلى نشوء الأزمات المالية العالمية، أما خلال التقلبات الاقتصادية القاسية فيؤدي إلى تعريض دخل العائلات المتدني إلى الخطر.
ولكن هل كان غياب العدالة في توزيع الدخل أمرًا حتميًا لا فكاك منه .. ؟ هل يمكن أن تحقق الشركات الربح وفي نفس الوقت تقدم للموظفين التعويض المالي المناسب من أجور وحوافز كي يحسِّنوا أداءهم .. ؟
ثمة عوائق تقف حائلاً دون إعداد هيكل أجور مثالي كي تستفيد الشركة وموظفوها معًا:
— تقوم الثقافة الداخلية للعديد من الشركات على تقديم حوافز مرتفعة لكبار الموظفين مقارنةً بصغار الموظفين. ولكن على الرغم من جميع الأدلة العملية والدراسات التي أجريت حول فعالية هذه الحوافز، فقد أرست هذه الشركات ممارسات تعتمد بشكل أساسي على ثقافة العقاب والتأنيب. إضافةً إلى هذا، تعارض النقابات العمالية ومنظمات العمل تفاوت الأجر بناءً على الإنتاجية.
— إعداد هيكل الأجور ليس أمرًا سهلاً. فلكي تؤتي المكافأة ثمارها يجب أن تحدد الشركة أهدافًا واضحة، ولا بد أن يفهم كل من الإدارة والموظفين ما يجب عليهم عمله لتحقيق هذه الأهداف التي يُشترط أن تكون عملية وواقعية، بل إن المعايير التي يُقاس بها أداء الموظف ومدى تقدمه يجب أن تكون ملائمة وشفافة، ومن الضروري أيضًا أن تتوافق الحوافز مع هذه المعايير ومع أهداف الشركة.
— يجب أن يكون نظام المكافآت والحوافز عادلاً بالنسبة لجميع الموظفين. على الرغم من أن العديد من مكونات نظام المكافآت تكون مشتركة بين أكبر الموظفين حتى أصغرهم، فهناك اعتبارات استثنائية تجب مراعاتها، إذ لا بد من حصول الموظف على أجر يضمن له الحياة الكريمة، قبل تخصيص الحوافز، ويجب أن يكون الحد الأدنى من الأجر ملائمًا وعادلاً لكل موظف ويناسب الشركة في ظل البيئة التي تنافس فيها.
تتطلب عملية ترجمة أجور الموظفين المرتفعة إلى أرباح للشركة اختيار الأولويات الواضحة والاستراتيجية، ثم تحويل هذه الأولويات إلى أهداف قابلة للتنفيذ في كافة مستويات المؤسسة، وإمداد الموظفين بالتدريب المناسب وظروف العمل التي يستطيعون من خلالها تحقيق هذه الأهداف، وإيجاد طريقة عادلة وشفافة ودقيقة لقياس جدوى الحوافز.
أوضحت شركات كثيرة أن هناك فائدة اقتصادية ملحوظة تنتج من تعديل هيكل الأجور والعمل ليصبح أكثر فعالية. من خلال بيئة العمل المثالية والحوافز الهادفة، استطاعت هذه الشركات مضاعفة إنتاجية موظفيها الحاليين، كما ركزت جهودها اللاحقة عند تعيين موظفين جدد على اختيار أفضل الكفاءات الموجودة في سوق العمل، وهذا بدوره أدى إلى زيادة الإنتاجية وارتفاع جودة الإنتاج.
– لماذا المرونة مربحة .. ؟
على الرغم من أهمية المزايا الوظيفية في الحفاظ على صحة العاملين النفسية والجسدية، فإنها لاتتوفر لهم دائمًا ولا يستفيدون منها الاستفادة الكاملة (مثل الإجازات المرضية المدفوعة، والإجازات المدفوعة خلال فترة العناية بأحد أفراد الأسرة،وساعات العمل المرنة)، وهذا شائع حتى في أغنى الدول وأكثرها تقدمًا وتقديرًا لحقوق الإنسان.
في عام 2007 ، لم يستطع نحو 40 ٪ من الموظفين في ”الولايات المتحدة“ الحصول على إجازاتهم المرضية المدفوعة، وأقل من 10 ٪ حصلوا على إجازات مدفوعة للاعتناء بأحد أفراد أسرتهم، هذا على الرغم من أن الموظفين الأعلى أجرًا هم أكثر من يستفيدون من هذه المزايا. طبقًا لإحصائية أجريت عام 2006 فإن 45 ٪ فقط من الموظفين الأقل أجرًا استطاعوا الحصول على إجازاتهم المرضية المدفوعة، مقارنة ب 72 ٪ من الموظفين الأعلى أجرًا. وفي الوقت نفسه، يتمتع 39 ٪ من الموظفين أصحاب الشهادات العليا بساعات عمل مرنة، مقارنة ب 18 ٪ فقط من الموظفين الحاملين لشهادات دون المتوسطة و 23 ٪ ممن تلقوا تعليمًا متوسطًا دون الجامعي.
وفي ”كندا“، على الرغم من أن 89 ٪ من الموظفين الذين يكسبون في الساعة 20 دولارًا أو أكثر قد حصلوا على مزايا غير أجرية، مثل الإجازات المرضية وإجازة رعاية الأطفال، فإن 42.4 ٪ فقط من الموظفين الذين يكسبون 12 دولارًا أو أقل فيالساعة استطاعوا الحصول على هذه المزايا.
فهل تقديم هذه المزايا مجدٍ، ناهيك عن كونه غير مكلف، في الوظائف الموجودة عند قاع السلم؟ هذا ما عكفت على دراسته العديد من المؤسسات البحثية على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية.
جاءت النتائج متشابهة إلى حدٍ كبير في خمس قارات: فالموظفون الأقل أجرًا هم الأقل حظًا في الاستمتاع بالمزايا الوظيفية، مثل: الإجازات المرضية المدفوعة والإجازات السنوية وساعات العمل المرنة والاعتناء بصحتهم أو صحة ذويهم من أبناء أو أبوين مسنين.
فالمديرون يخشون أن يستغل الموظف هذه المزايا أو يسيء استخدامها! يكمن التحدي في إتاحة هذه المزايا للموظف الذي يحتاجها بحق والذي سيستخدمها للهدف الذي ابتُدعت من أجله. هناك احتمال ضعيف للغاية أن يدّعي الموظف أنه أنجب طفلاً ليحصل على إجازة رعاية طفل، ولكن ما يمكن أن يُستغل بحق هو الإجازات المرضية.
– توفير المزايا الوظيفية للموظفين الأقل أجراً ..
ألقى الإعلام الضوء على غياب العدالة في توزيع الدخل بين الفقراء والأغنياء. إلا أن الفجوة الأوسع من فجوة الدخل هي فجوة الثروة، والتي تتجلى في امتلاك العقارات والأسهم والسندات وخطط التقاعد.
تمثل الشريحة الأكثر ثراءً نسبة 2٪ من سكان العالم وتملك أكثر من 50 ٪ من إجمالي ثروات العالم، و 1٪ فقط من هذه الشريحة يملك 40 ٪ من الأسهم العالمية. على النقيض من ذلك، يملك 50 ٪ من سكان العالم أقل من 1٪. سكان ”أمريكا الشمالية“ مثلاً يملكون وحدهم 34 ٪ من الأسهم العالمية، في حين تملك القارة الأوروبية 30 ٪، بينما تملك دول حوض المحيط الهادئ الآسيوي 24 ٪. أما الدول الأفريقية فهي الأفقر، إذ تملك 1٪ فقط من الأسهم العالمية، وكذلك الحال مع ”أمريكا اللاتينية“ ومنطقة ”الكاريبي“ اللتين تملكان 4٪ فقط. وعلى الرغم من أن ”الصين“ و”الهند“ تشكلان 75 ٪ من إجمالي سكان العالم، فإنهما تملكان 3٪ و 1٪ على التوالي.
في دراسة عن توزيع الدخل في عشرين دولة، كانت حصة الأسهم التي يملكها أغنى 20 ٪ من السكان تتراوح ما بين 39.3 ٪ في ”اليابان“ و 71.3 ٪ في ”سويسرا“. في حين تراوحت حصة الأسهم التي تملكها نسبة 1٪ فقط من الأثرياء ما بين 10.4 ٪ في ”أيرلندا“ و 34.8 ٪ في ”سويسرا“. في حين لا تزيد حصة أسهم أفقر 30 ٪ من السكان عن 5.8٪ في ”الصين“، و 0.3 ٪ في ”ألمانيا“. كما تراوحت حصة الأسهم ل 50 ٪ من الشريحة الأكثر فقرًا ما بين 14.4 ٪ في ”الصين“ و 2.8 ٪ في ”الولايات المتحدة“.
كانت لهذه الفجوة الشاسعة في توزيع حصص الأسهم تبعات خطيرة؛ حيث يؤدي نقص الادخار وتراجع حجم الأسهم المالية إلى افتقار المئات من الأسر والأفراد إلى الموارد التي يعتمدون عليها في مواجهة الأزمات الشخصية مثل المرض أو البطالة. وتزيد المخاطر عندما يضطر الموظفون أصحاب الأسهم الضعيفة وأسرهم إلى تحمل الانكماش الاقتصادي.
– التدريب المُجدي ..
تستطيع الشركات أن تجني فوائد ومنافع كثيرة بتقديمها برامج تدريبية إلى الموظفين لتحسين مهاراتهم المرتبطة بالعمل ورفع إنتاجيتهم. ونظرًا لأهمية فرص التدريب بالنسبة للموظفين الحاليين والمحتملين، فإنها تسهِّل تعيينهم والحفاظ عليهم داخل الشركة؛ إذ إن الشركات التي تقدم فرصًا للتدريب تنجح في استقطاب أكفأ المهارات التي تصبح راغبة في مواصلة العمل لدى الشركة. ولكن على الرغم من جميع هذه الفوائد، فقلة من الشركات توفر هذه الفرص التدريبية.
– خلق البيئة المناسبة للعمل ..
يجب أن ندرك أولاً أن مناخ العمل الملائم داخل الشركات والمؤسسات يؤثر بشكل كبير على أرباحها.
سنعرض في هذه النقاط طرقًا مختلفة تستطيع من خلالها ابتكار استراتيجية فعالة لتوفير ظروف العمل المناسبة لجميع الموظفين:
1- وضع معايير وقواعد سلوكية يجب أن ترسي معايير وقواعد سلوكية تحدد المتطلبات الرسمية للشركة لدى فروعها ومورِّديها في الخارج.
— أولاً: عليك أن تحدد الأهداف التي تريد تحقيقها من وراء هذه القواعد، خصوصًا بالنظر إلى ظروف العمل لدى الموردين والمتعاقدين من الباطن.
— ثانيًا: بسبب كثرة المشكلات التي تحيط بقواعد ومعايير العمل في الفروع الخارجية، حدد أولويات التصرف.
فالمصانع غير قادرة على تطبيق جميع التغييرات فجأة وفورًا؛ لذا اسأل نفسك: ”ما التغييرات العاجلة والضرورية التي يجب تنفيذها دون تأخير.. ؟ وأيها يمكن تنفيذه بالتدريج .. ؟“ قد يتطلب ذلك من الشركة إعادة النظر في بعض الأمور.
فهل لديها الاستعداد للتنازل عن بعض القواعد داخل المصانع التي ما زال الوقت طويلاً أمامها قبل أن تستطيع تحقيق أهداف الشركة .. ؟ هناك ممارسات أسهل في التطبيق مقارنةً بغيرها.
فمعايير الأمان التي تتم في خطوة واحدة (مثل شراء وتركيب طفايات الحريق) يسهل تطبيقها مقارنةً بتغييرات وتحسينات أخرى واسعة النطاق (مثل تعديل مواعيد العمل وهيكل الرواتب). ترى بعض الشركات أنه نظرًا إلى تعقد بعض ظروف العمل، فمن الأفضل التحلي بالواقعية والبدء في إجراء التغييرات السهلة، ثم مواصلة التغيير شيئًا فشيئًا.
ولكن هناك شركات أخرى ترى أن هذا يعني الرضا بالظروف المتدنية بدلاً من السعي إلى إجراء تغييرات طموحة. وهنا يبرز سؤال حيوي: هل من الأفضل البدء بتغييرات جاهزة للتطبيق حتى لو لم تكن تعالج المشكلات الحالية المُلِّحة .. ؟
على الرغم من أن الأمر ينطبق على جميع الشركات بمختلف أحجامها، فإن الشركات الصغيرة بصفةٍ خاصة تواجه قيودًا حين يتعلق الأمر بتطبيق قواعد ومعايير العمل الملائمة لدى مورديها الخارجيين.
فقدرتها الشرائية الضعيفة تعني أنها لا تستطيع إجبار الموردين على إجراء التغييرات التي تريدها، هذا غير أنها تملك موارد محدودة تمنعها من تنفيذ هذه التغييرات بنفسها. هناك حل وحيد يمكن أن تلجأ إليه هذه الشركات وهو التحالف مع شركات أخرى ذات تفكير وتوجه مماثل والاتفاق على مجموعة مشتركة من القواعد والمعايير لتطبيقها.
ستستفيد الشركات الصغيرة من زيادة سطوتها ومضاعفة قوتها الشرائية عن طريق الاتحاد والتعاون مع شركات أخرى لتكوين كيان اقتصادي أكبر. كذلك من الممكن أن تتبادل هذه الشركات فيما بينها المعلومات الخاصة بمعايير العمل في المصانع، فتسهِّل بذلك تطبيق التغييرات المطلوبة ومتابعتها.
لكن العائق الوحيد هو عدم العثور على شركات لها نفس الاحتياجات الإنتاجية ونفس التوجهات بالنسبة لمعايير العمل، بالإضافة إلى القيود التي تُفرض على قراراتها الشرائية.
2- الدمج بين معايير العمل وثقافة الشركة ترسم معايير العمل إطارًا ناجحًا لتحسين الظروف التي يعمل في ظلها الموظفون. ولكن لكي نحقق النتائج المطلوبة، من الضروري دمج هذه المبادئ في جميع أنشطة الشركة. فموظفو الأقسام المختلفة قد تكون لهم رؤى وأولويات ووجهات نظر متباينة فيما يتعلق بمعايير العمل.
لهذا لا يجب أن تكون معايير العمل همًا يشغل قسمًا واحدًا فحسب، بل يجب أن تصبح جزءًا من جوانب الإنتاج الأساسية، مثل تصميم المنتجات وعملية الشراء. إن الفرق بين المعايير التي تفرضها الشركات على مورديها وبين مطالباتها بخفض الأسعار وسرعة الإنتاج ينعكس في الاختلافات وفي الثقافة المؤسسية داخل الشركة نفسها.
على سبيل المثال: مديرو المشتريات قد توجههم مبادئ وأهداف مختلفة عن تلك التي توجه مديري قسم المسؤولية الاجتماعية. فحين يتلقى قسم المشتريات حوافز من مشرفيهم لكي يقللوا من نفقاتهم الحالية، عادةً ما تتأثر سلبًا القيم طويلة الأجل، مثل سمعة الشركة؛ لأن قسم المشتريات قد ينظر إلى ضمان الجودة، أو أخلاقيات العمل، أو حتى أمان المنتج باعتبارها عوائق غير ضرورية تحول دون الشراء بأسعار منخفضة.
3- اختيار مصانع وموردين ملتزمين تستطيع الشركات أن تلزم مورديها بتطبيق معايير العمل المرتفعة بإحدى طريقتين: إما باختيار موردين مشهود لهم بتطبيق معايير العمل ومكافأتهم على ذلك، أو بتطوير المصانع التي تفتقر إلى ظروف ومعايير العمل الملائمة.
يمكن القول إن أعظم قوة لدى الشركات تكمن في قراراتها الشرائية الأولى، أي عندما تختار المصانع والموردين الذين ستتعامل معهم. لذا لا بد من تقييم الممارسات المهنية والتشغيلية للموردين المرشحين قبل اتخاذ أي قرارات شرائية، بما أن تفضيل المصانع والموردين الملتزمين يشجع الشركات التي تحاول تحسين أوضاع موظفيها، مما يخلق حافزًا داخل السوق لتطبيق الممارسات المهنية السليمة.
تسهِّل هذه الممارسات لاحقًا عملية المراقبة والمتابعة لضمان الالتزام. ولا يقل عن ذلك أهمية تحديد عدد المصانع والموردين الذين سيتم التعامل معهم. حيث تُتهم الشركات متعددة الجنسيات بتعاملها مع مئات الموردين بهدف التمويه وإخفاء الموردين الذين تتعامل معهم، مما يجعل من الصعب معرفة ظروف العمل لدى مورديهم.
أما حصْر عمليات الشراء في عدد قليل من المصانع فيسهِّل كثيرًا عملية مراقبة وتحسين ظروف العمل. وعلى الرغم من أن ذلك ينطبق على جميع الشركات بكافة أحجامها، فإنه يلمس بشكل أكثر تحديدًا الشركات الخاصة التي تستطيع أن تحصل على مزايا أكبر بشراء المزيد من المنتجات من عدد أقل من المصانع.
4- مساندة الاستراتيجيات القومية حتى عندما تضع الشركة على رأس أولوياتها الالتزام بمعايير العمل، فقد يكون من الصعب على تجار التجزئة مراقبة عملية التوريد، بما أن هؤلاء التجار يشترون بضاعتهم من مئات الألوف من الموردين. فمتاجر ”وول مارت“ تستورد منتجاتها من أكثر من ألف مصنع من ”الصين“ وحدها، كما أن منتجات ”والت ديزني“ يتم تصنيعها في 30 ألف مصنع حول العالم. حتى إذا كانت علاقة تجار التجزئة قوية بعدد قليل من كبار الموردين، فإنهم عادةً ما يتعاقدون من الباطن مع صغار الموردين والعاملين من المنزل، فتتعقد سلسلة الإمداد وتزداد ضخامة، مما يصعِّب عملية المراقبة والمتابعة ويهدد دقة نتائجها.
لمواجهة كل هذه التحديات، قررت بعض الدول اكتساب سمعة قوية في جميع أنحاء الوطن فيما يتعلق بتحسين أوضاع ومعايير العمل. فعن طريق تبني برامج قومية تعتبر بمثابة قواعد سلوكية يطبقها الجميع، تستطيع الدول أن تظهر التزامها بتحسين الظروف التي يعمل في ظلها العاملون. ومن الناحية العملية، تتيح هذه المبادرات إمكانية الاعتماد على أنظمة المراقبة القومية، بدلاً من المراقبة الفردية التي تقوم بها كل مؤسسة لكل مصنع ومتعاقد من الباطن.
– الاستفادة من المعايير الدولية ..
ما هي الطريقة المثلى التي تستطيع الشركات تطبيقها لضمان جودة إنتاجها عالميًا .. ؟ وما هي معايير وممارسات العمل التي يجب عليها تبنيها داخل مصانعها .. ؟ وكيف يمكن مراقبة هذه المعايير ومتابعتها .. ؟
هناك أدلة تؤكد أن المستهلكين يهتمون بمعايير العمل المطبقة داخل الشركات التي يشترون منها منتجاتهم. فالدعاية السلبية المرتبطة بالإنتاج في ظل ظروف عمل سيئة وقاسية تصبح لها تبعات اقتصادية مؤثرة، لا سيما داخل الشركات ذات الاحتكاك المباشر بالعملاء الذين يبنون قراراتهم الشرائية على ماركة المنتج واسم الشركة.
علاوة على ذلك، يرتبط تدني معايير العمل بتدني جودة المنتج، وكذلك بتدني معايير الأمان وسلامة الاستخدام. وهذا يؤدي إلى سحب المنتجات المعيبة من السوق لعدم مراعاتها المواصفات المعلنة، مما يكبد الشركة خسارة الأموال والسمعة وسقوط صورتها في المجتمع. لهذا السبب، هناك من الأسباب والحوافز الاقتصادية ما يجبر الشركات على الاستثمار في رفع جودة ظروف العمل داخل مصانعها بالخارج.
من شأن رفع الأجور ومرونة المواعيد وتحسين ظروف العمل أن يحقق فائدة عظمى للشركات من حيث مضاعفة حماس الموظفين وتشجيعهم على البقاء داخل الشركة وزيادة إنتاجيتهم ورفع جودة المنتجات. كما يمكن توفير هذه المزايا داخل البلد أو خارجها، لكن الفارق الرئيسي يكمن في صعوبة التأكد من تطبيق سلسلة الإمدادات الدولية لمعايير العمل السليمة في ظل غياب الرقابة المباشرة من الشركات على الموردين.
عندما تقوم الشركة بالإنتاج في مصانعها ومنشآتها الخاصة بالخارج، يكون من حقها أن تحدد المعايير التي يجب أن تلتزم بها هذه المصانع. والتنفيذ الفعال يتطلب التأكد من التزام المديرين المحليين بممارسات العمل التي تحددها الشركة وأن تكون لديهم الخبرة لتطبيقها.
أما الاستيراد من موردين خارجيين، فيحمل قدرًا كبيرًا من التحدي. وبعد تحديد معايير العمل الملائمة وتوضيح الأولويات، على الشركات أن تضع قواعد صارمة وحازمة تضمن التزام جميع أفراد الشركة. يجب أن يكون تحسين أوضاع العمل جزءًا أساسيًا من الثقافة المؤسسية في جميع الأقسام والفروع، مع العلم أن النجاح يبدأ منذ خطوة اختيار الموردين والالتزام بمعايير العمل الملائمة. هذا غير أن عملية المراقبة تتطلب تقييمًا موضوعيًا وشاملاً، بالإضافة إلى حسن التعامل مع المعلومات والنتائج التي يثمر عنها التقييم.