ملخص كتاب علم النفس ذروة أسرار الخبرة
ملخص كتاب علم النفس ذروة أسرار الخبرة
مقدمة حول الكتاب ..
لا تدع النظريات والأفكار المتداولة في الأوساط العلمية تؤثر على طموحاتك
في هذا الكتاب ، نناقش الجانب النفسي والفسيولوجي للتدريب الموجه
مستشهداً بالطب وعلم النفس وعلم الأعصاب وقصص واقعية
المؤلف : د. أندرس إيريكسون
عالم نفس وباحث سويدي ومحاضر في جامعة فلوريدا ستيت
تاريخ النشر : 2016
عدد الصفحات : 350
– ملخص الكتاب ..
– تقول الرواية بأن عازف الكمان الإيطالي نيكولو باغانيني كان يعزف لسيدة مقطوعة غرامية خاصة على الكمان
في محفلٍ مليءٍ بالجماهير، وعندما وصل إلى ذروة المقطوعة، لم تحتمل الأوتار التي كانت تصنع حينئذ من أمعاء الخراف شدة العزف فانقطع أولها، لكن لم يثن هذا الأمر باغانيني عن إكمال المقطوعة بنفس التألق فانقطع آخر!
– العزف على وترين يحتاج إلى خبرة وحذق شديدين، وقد فعلها باغانيني دون أن يرتبك قيد أنملة.
– ثم ما كانت إلا لحظات حتى انقطع الثالث، لكن باغانيني لم يتوقف حتى أنهى المقطوعة على أفضل وجه وأصابعه تصرخ والجمهور مندهش.
تلك هي القصة “المُبَهّرة”.
– القصة الحقيقة (رواها باغانيني بنفسه)
– كان باغانيني يعزف مرة في مدينة لوكا الإيطالية، فوقعت عينه على امرأة جميلة وانجذب إليها، فقرر أن يكتب مقطوعة سماها “مشهد الحب” تعزف على وترين فقط: الصول (G) والمي (E)، وكانت عبارة عن حوار موسيقي بينهما. وحدث أن سمعت المقطوعة أميرة من حاشية نابليون بونابارت الذي كان يقضي وقتاً طويلاً مع عائلته في تلك المدينة حينئذ، فطلبت منه أن يكتب مقطوعة تعزف على وتر واحد فقط، فكتبها وعزفها وسماها مقطوعة بونابارت لقرب ذكرى يوم ميلاده.
– من هنا زاد اهتمام باغانيني بالعزف على وتر واحد، لكن بما أنه صاحب كاريزما وخبير في الأداء الاستعراضي، قرر ألا يقدم لجمهوره هذه المقطوعات بعزفها على وتر واحد، بل كتب مقطوعات تنقسم إلى ٤ أقسام؛ فقسم يعزف على ٤ أوتار، وآخر على ٣، ثم على وترين ثم على وتر. وحتى يترك أعمق أثر، ويعطي انطباعاً بأنه ذو قدرة خارقة، تدرب على تقنية لوضع الضغط اللازم على الوتر حتى ينقطع أثناء العرض عندما يحين وقت الثلاثة أوتار وهكذا دواليك إلى أن يصل إلى وتر واحد وينهي به العرض.
– طبعاً إن لم تعرف هذه القصة، قد يتبادر إليك أن باغانيني كما أفادت الخرافة، “عبقري موسيقي” أو “مولود بجينات موسيقية”، لكن الحقيقة أن خبرته جاءت نتيجة لتمرين مضنٍ.
– تعريف الموهبة : الخبرة في أي حقل معرفي نظري أو أدائي بدني مهني أو فني اكتسبت بالمثابرة الموجهة وليست الخرافة القائلة بفطرية الموهبة.
– تعريف الفرصة : الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياقين الزماني والمكاني اللذان أسهما في نبوغ فرد ما في أي حقل معرفي نظري أو أدائي بدني مهني أو فني.
– في كتابه “استثنائيون – Outliers ”، ساهم مالكولم جلادويل في نشر نظرية العشرة آلاف ساعة، التي ما أن قرأها الناس حتى انتشرت مثل النار في الهشيم. مفاد هذه النظرية أن الفرد يحتاج لعشرة آلاف ساعة من التدريب ليصبح “خبيراً” في أي مجال كان. وإن كنت من متابعي جلادويل، فستعرف أن بعض استنتاجاته، وبالتالي فرضياته كصحفي ومؤرخ، تبني في حيز كبير منها على نتاج الأبحاث الأكاديمية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية.
– استمد مالكولم جلادويل نظرية العشرة ألاف ساعة من تجربة أنديرس إريكسون، الأستاذ المتخصص في الجانب السيكولوجي للموهبة والأداء الإنساني. فقد أجرى أنديرس تجربة على عازفيّ كمان من جامعة برلين للفنون Universität der Künste Berlin”” المعروفة بتخريجها نخبة من أرقى عازفي الكمان والبيانو في العالم؛ منهم عمالقة القرن العشرين ( أوتو كليمبيرير وبرونو ولتر والمؤلف الموسيقي كورت فيل )
– أجريت الدراسة على٣٠ عازف وعازفة من الجامعة من ٣ مستويات، ١٠ منهم من النخبة و١٠ من الممتازين و١٠ من الجيدين. واستشرافاً لمستقبل هؤلاء الطلبة، أضيف إلى المجموعة ١٠ من عازفي أروكيسترا فيلارمونية برلين وأوركيسترا راديو سيمفوني ذوي الخبرة، حيث أن عازفي النخبة سينتهي بهم الأمر في إحدى الأخيرتين في ألمانيا. كان الهدف من الدراسة هو معرفة ما الذي يميز العازف “النخبة” من العازف “الجيد”.
– ما يجعل الكمان مادة مغرية لتكون موضوع التجربة بدلاً من الجَبْر أو كرة القدم مثلاً هو أن أنماط التدريب وتقنيات العزف والتدريب على الكمان واضحة وثابتة لا جدل فيها، وهذا بدوره يسهم في التركيز على دراسة (الدوافع والعادات) التي تميز الطالب الجيد عن الطالب النخبة، والتعرف على سبب الاختلاف بينهما بدقة أكبر، دون الخوف من الوقوع في لبس متعلق بضوابط التجربة مثل أسلوب التدريب أو تقنيات العزف.
– وجدت الدراسة أن عازفة النخبة قضت 7,410 ساعة تدريب منفرد منذ صغرها حتى سن ١٨ عاماً، بينما قضت العازفة الممتازة 5301 ساعة، أما العازفة الجيدة فقضت 3420 ساعة، وذلك ينطبق على كلا الجنسين.
– من هنا جاء نقل جلادويل غير الدقيق، فقد حول الرقم (تقديرياً) إلى 10000 ساعة حتى بلوغ سن ٢٠ عاماً بدلاً ١٨ عاماً كما جاء في التجربة. لم يكن هذا الخطأ الوحيد، بل الخطأ المحوري الآخر (حسب رأي أندريس) هو أن التدريب الذي قضاه العازفين في التجربة موجه ودقيق ويعتمد على نقد المدربين والخبراء والصقل المستمر وليس تدريباً اعتباطيا. بعبارة أخرى، برأي إريكسون، أن تقضي 10000 ساعة في التدرب على شيء (اعتباطيا) لن يصل بك إلى مرحلة الخبرة كما ادّعى جلادويل.
– اتخذ جلادويل من فرقة البيتلز مثالاً بنى عليه استنتاجه، فقد حاول حساب عدد الساعات التي قضتها الفرقة في تأدية حفلاتها الغنائية في مدينة هامبورج، وتوصل إلى أنها على مقربة من 10000 ساعة، لكن الأداء ليس كالتدريب الموجه حسب رأي إريكسون.
———————————-
– إفلاس فرضية الجينات والموهبة الفطرية ..
– وضع إيريكسون فرضية “الجينات والعبقرية الفطرية” تحت المنظار، فوجد أنها ميثولوجيا ( الميثولوجيا : تشير إلى فرع من العلوم التي تتناول جمع ودراسة وتفسير الأساطير ) تفتقر للدقة، وتسهم في إحباط الناس من مختلف الطبقات العمرية والاجتماعية. ولذلك فند في كتابه (Peak) كل فرضية لا تتبنى التدريب الانفرادي الموجه كأساس للوصول إلى الخبرة.
– كما أن لكل علم ضوابط، فكذلك “علم الخبرة”، حيث يفرق إريكسون بين “التدريب الاعتباطي” و”التدريب الموجه” بثلاث محاور رئيسة للوصول إلى الخبرة:
١- تحديد أهداف التدريب ..
مثال: أريد خلال جلسة اليوم أن أعزف هذه المقطوعة حتى نهايتها ٣ مرات متتالية دون خطأ
أو أريد أن أطور قدرتي في حفظ الأرقام من ٩ أرقام إلى ١٣٣ رقماً مع نهاية الجلسة.
٢- العمل بجد والخروج عن العادة (المريحة) ..
الخبرة تحتاج إلى عمل دؤوب وصعب وممل يخرج بك عما هو مريح (كما سنثبت لاحقاً)
٣- صقل المهارة من خلال رأي الخبير/المدرب
هناك خبراء ومدربين في معظم المجالات، ويجب الأخذ برأيهم باستمرار حتى تُستدرك الأخطاء.
بدون رأي الخبير/المدرب (أو معرفتك الفردية الجيدة لتقنيات المجال إن لم يكن بوسعك الحصول على مدرب)
فإنك لن تدرك خطأك وبالتالي لن تتطور.
– اصنع طريقتك الخاصة
ضع المادة العملية أو النظرية التي يتم التدرب عليها في (تركيب ذهني) بحيث يكوّن العقل صورة عن كيفية تنظيم هذه المعلومات واسترجاعها لتطبيقها أثناء التدريب.
مثلاً في التدرب على حفظ الأرقام يمكن تخزينها في الذاكرة على شكل توقيت مثل الساعة ٩:٠٧ للرقم ٩٠٧٧، أو تاريخ ١٨/٤/٢٠١٧ للرقم ٢٠١٧٤١٨
– كيف نثبت ذلك بدليل ملموس .. ؟ عن طريق دراسة الجسم والدماغ
حتى نفهم كيف يؤثر التدريب على الدماغ (ويغير هيكله) علينا أولاً أن نعطي مثالاً قريباً إلى الذهن مثل التغير الذي يطرأ على الجسم نتيجة للتمرين البدني.
تتميز الأنظمة، خصوصاً تلك التي تنظم حياة كائن ما أو عضواً من كائن، بخصيصة “التوازن الداخلي” أو (Homeostasis)، وتمكن هذه الخصيصة أي نظام من إعادة موازنة نفسه عند حدوث أي طارئ.
فعندما نمارس تمارين رياضية شديدة، يؤدي شد العضلات إلى استهلاك الأكسجين والطاقة الموجودتان في خلايا العضلات، والتي يتم تعويضها من الأوعية الدموية المحيطة.
لكن نتيجة لذلك، يصبح مستوى الأكسجين منخفض في الدم، فيحاول الجسد تدارك ذلك من خلال زيادة معدل التنفس لرفع نسبة الأكسجين في الدم والتخلص من ثاني أكسيد الكربون، ويتم تفعيل مخازن الطاقة لتغذية العضلات، وتزداد سرعة الدورة الدموية لتوزيع الأوكسجين والطاقة على أجزاء الجسد.
– إذا ..
العبرة هو أنه ما لم يكن التدريب قاسياً ومنتظماً و(يتحدى) هذه البروتوكولات الداخلية للجسد، فلن يتغير الجسد. أما إذا كان هذا التمرين قاسياً ومنتظماً فسيجبر الجسد على اتباع إجراءات الطوارئ.
أي إذا كان التمرين على القدر الكافي من الشدة فإن برتوكولات “التوازن” لن تستطيع أن تغطي النقص، وستعاني الخلايا من مستوى نقص شديد من الأوكسجين ومركبّات الطاقة مثل الجلوكوز والأدينوزين.
يؤدي هذا النقص إلى تعثر عملية التمثيل الغذائي (metabolism) مما يؤدي إلى تفاعلات بيوكيميائية في الخلية تسهم في إفراز (حزمة جديدة) من المنتجات البيوكيميائية غير المعتادة، وهذا بدوره يجبر الخلايا على تفعيل جينات مختلفة من الحمض النووي = (التغيير المطلوب).
معظم الجينات في الحمض النووي غير فاعلة معظم الأوقات، لكن الخلية “تطفئ” و”تشغّل” الجينات حسب حاجتها. هذه الجينات المفعلة حديثاً ستشغل أنظمة كيميائية حيوية جديدة في الخلية تجاوباً مع ما تعرضت له الخلية وما يحيطها من أنظمة عندما تم دفعها خارج النظام المعتاد.
هذه العمليات الفسيولوجية تترجم إلى التغيير المراد؛ كتضخم العضلات وشدها وتحديدها.
الخلاصة: عليك أن تدفع جسدك إلى الحافة لتحدث فرقاً.
————————
– هذا يحدث للعضلات، لكن كيف يحدث ذلك في الدماغ .. ؟
في دراسة أجراها عالم النفس إدوارد تاوب من جامعة ألاباما مع أربع علماء نفس ألمان على ٦ عازفي كمان، عازفيّ تشيلو، وعازف جيتار وست أشخاص غير موسيقيين (الهدف من استخدامهم هو مقارنة النتائج بهدف ضبط التجربة بدقة)، أراد تاوب أن يتعرف على الفرق بين المشاركين في جزء الدماغ الذي يتحكم بالأصابع، وخصوصاً أصابع اليد اليسرى، لأن عزف الجيتار والكمان والتشيلو يحتاج إلى قدرة استثنائية للتحكم بهذه الأصابع، لأنها تنتقل من مكان لمكان على عنق الآلة ويجب أن توضع بدقة متناهية، وأحياناً تحتاج بعض الأصوات مثل “فايبريتو” إلى زحلقة الإصبع أو رجفه في مكان ما، ما يتطلب قدراً هائلاً من التدريب والدقة.
استخدم تاوب وفريقه آلة تدعى مخطط الموجات المغناطيسية الدماغية (magnetoencephalograph) لتحديد أي جزء من الدماغ مرتبط بأي إصبع بالتحديد، حيث يلمس الباحث الإصبع ومن ثم يرى أي جزء من الدماغ يتفاعل مع ذلك الإصبع.
وجد الباحثون أن الجزء الذي يتحكم باليد اليسرى في الموسيقيين أكبر بكثير منه عند غير الموسيقيين، إضافة إلى أن هذا الجزء قد استولى على مساحة من الجزء الدماغي الذي يتحكم بالكف، ومعنى ذلك أن الإنسان يفقد مهارة عندما يصبح خبيراً في أخرى.
علاوة على ذلك، الموسيقيون الذين بدأوا بتعلم الموسيقى قبل غيرهم كان لديهم الجزء أكبر من نظرائهم.
في المقابل لم يجد الباحثين أي فرق في جزء الدماغ الذي يتحكم في اليد اليمنى بين الموسيقيين وغير الموسيقيين.
المحصلة أن الإنسان يمكنه تغيير شكل وحجم أجزاء الدماغ التي تتحكم بأي عضو يؤثر في اكتساب مهارة عملية أو نظرية من خلال التدريب الموجه والمستمر.
هذا التغيير الناتج عن التدريب ينطبق على أجزاء الدماغ المتصلة بأعضاء مؤثرة في اكتساب وتطوير الحرف والرياضات والفنون والعلوم النظرية والتطبيقية مثل الفيزياء والحساب والكتابة إلخ.
لكن هناك نقطة غاية في الأهمية، وهي أنه ما أن يتحقق هذا التغيير في الدماغ أو العضلات أو المهارة، فإنه يصبح “الوضع العادي” الجديد.
أي أن النظام يعود إلى التوازن على هذا المستوى الجديد الذي تم تحقيقه، وستحتاج إلى كسره مرة أخرى لتصل إلى مرحلة جديدة.
————————
– إذا ما الفرق بين التدريب العادي والتدريب الموجه بناءً على ما سبق .. ؟
الفرق يكمن فيما يسمى التمثيل الذهني “Mental Representation”.
لنبسط هذا المفهوم ونأخذ كلمة “كلب” مثالاً.
عندما تسمع كلمة كلب يتبادر إلى ذهنك كل ما هو متعلق بالكلاب مثل طريقة أكلها وسلوكها وأشكالها وأنواعها وأحجامها وطريقة جريها وما إلى ذلك، ولا تحتاج لأن تفتش عن معنى الكلمة وسياقاتها، فكل ذلك مخزن في ذهنك ويتم استرجاعه تلقائياً.
الآن، فلنفرض أنك غطّاس وتحاول أن تصبح ماهراً في رياضتك. إذا طورت عضلات قدميك وبطنك وأكتافك وأسلوب تنفسك فإن هذا لن يكفيك، فعليك أن تتعلم الغطس في سياقاته من بيئة وحركة وتقنيات.
كثرة التعرض لهذه العوامل (أي التدريب) حسب الشروط التي ذكرناها سابقاً هو ما يصقل مهاراتك ويزيد مكنون المستوى الذهني الذي يجعل منك خبيراً. فإن كنت تريد أن تتعلم نوع معين من الغطس، فعليك أن تتعلم كل تقنيات ومتطلبات ذلك النوع على وجه الخصوص من خلال التدريب المستمر الموجه والمحدد بهدف.
هذا بدوره يخلق موسوعة من التمثيلات الذهنية التي تجعلك قادراً على وفهم وتحليل هذا النوع من الغطس، وبالتالي تأديته على مستوى متقدم.
لذلك، ليس هناك ما يسمى بالتدريب الرياضي العام .. ! إذا تدربت بشكل عام فإنك تحرك الدورة الدموية لا أكثر؛ لا بأس بذلك طبعاً إن كان هدفك المحافظة على صحتك من خلال اتباع روتين رياضي خفيف. أما إذا أردت أن تكون عالم حساب أو سبّاحاً أو عدّاءً أو مبرمجاً أو رساماً أو كاتباً أو مصارعاً أو موسيقياً، فلا بد لك من التدريب الموجه المضنٍ الممل .. !
———————-
– تفنيد الخرافات ..
سنذكر ونفند في هذا الجزء 3 حالات يمكن أن تستخدم في “تسمين” خرافة الجينات.
١- متلازمة سفانت: حتى الحالات الشاذة تخضع للنظرية
تظهر هذه المتلازمة غالباً لدى الأشخاص الذين يعانون من إعاقة عصبية مثل التوحد أو إصابات في الدماغ، حيث تنمو لديهم ملكات فائقة مثل القدرة على عزف مقطوعة بعد سماعها لمرة واحدة، أو القدرة على إجراء عمليات حسابية كبيرة خلال ثانية أو ثانيتين أو الرسم أو النحت بدقة احترافية. وقد يخطر للقارئ أن هذه (عبقرية فطرية) لم تحتاج لتدريب، لكن الدراسات تثبت عكس ذلك.
قارن الباحثان فرانشيسكا أبي وبيدرو فيتال من جامعة لندن المصابين بالتوحد ولديهم متلازمة سفانت مع آخرين مصابين بالتوحد بدون المتلازمة فوجدوا أن الذين يمتلكون المتلازمة لديهم قدرة استثنائية على التركيز على التفاصيل، ويميلون إلى تكرار سلوك ما أكثر من نظرائهم.
هذا يعني أنهم قادرين على التدرب لوحدهم على أي مهارة لفترات طويلة جدا مع القدرة على التركيز بطريقة استثنائية نتيجة للأثر المضاعف للمتلازمة على مرض التوحد الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى التركز على أمر بعينه وإعادة سلوك ما، مما يحقق شرط نظرية التدريب الموجه.
هل يمكن الوصول إلى مستوى المعاقين الذين لديهم متلازمة سفانت إذا لم تكن تمتلك هذه المتلازمة .. ؟
الإجابة هي نعم .. ! حاول عالم نفس اسمه بارنيت أداس أن يعلم طالب دراسات عليا لديه قدرات عقلية عادية أن يحسب التاريخ بدقة وسرعة كما كان يفعل توأمين سفانت يمكنهما أن يحسبا اليوم المطلوب حتى العام ١٣٢٤٧٠ ميلادية خلال ٦ ثوانِ.
فوجد أداس أن تقنية التوأمان هي البحث عن سنة تقابل السنة المطلوبة بين العام ١٦٠٠ و٢٠٠٠٠ ومن ثم يجريان عمليات حسابية للوصول إلى اليوم والشهر والسنة والقرن، وخلال ١٦ جلسة تدريب استطاع الطالب أن يحسب اليوم في نفس المدة الزمنية للتوأمين، لكن باستخدام تقنية مختلفة.
٢- أثر معدل الذكاء (IQ) في الموهبة ..
يقول إيريكسون: اختصاراً لكثير من السجل بين الخبراء، ومع أنني أفضل عدم المزج بين الذكاء الفطري ومعدل الذكاء (IQ) سنعتبر، أخذاً بالحقائق الموجودة، أن معدل الذكاء يقيس خصيصة يتميز بها الدماغ، وليست مهارات لغوية وحسابية يمكن تطويرها واكتسابها كما يرى البعض الآخر من العلماء.
تعد لعبة الشطرنج من أكثر الألعاب التي يهتم بها الباحثين في قياس مدى تأثير معدل الذكاء والقدرات البصرية (visuospatial) والتدريب الموجه على الأداء. وللتأكد من أثر الذكاء الفطري أجرى البحثان ميريم بيلاليك وبيتر مكلود من جامعة أكسفور وفيرناند جوبيت من جامعة برونيل دراسة على ٥٧ طفلاً وطفلة، ١٣ منهم إناث من لاعبي الشطرنج في المدارس، وقاسوا معدل ذكائهم الفطري (IQ) وقدراتهم البصرية (visuospatial)، ومن ثم تتبعوا عدد الساعات التي قضاها كلٌ منهم في التدريب المنفرد. كان الهدف من الدراسة تقييم مدى تأثير معدل الذكاء في أداء الأطفال وتفوقهم.
بعد تحليل البيانات، وجد الباحثون أن العامل الأهم في تفوق الأطفال في لعبة الشطرنج هو عدد الساعات التي قضاها الطفل في التدريب، وجاء في المرتبة الثانية بعد التدريب قوة الذاكرة وسرعة التحليل. كان لمعدل الذكاء أثر صغير في تفوق اللاعبين، وذلك لأن لعبة الشطرنج تتطلب بطبيعة الحالة مستوى متقدم من الذكاء، لكن بقي التدريب هو العامل الأول في جميع الأحوال.
لم يتوقف الباحثون عند هذه النتائج، بل قاموا بتحليل البيانات الخاصة بالأطفال النخبة في هذه المجموعة على وجه الخصوص وقد كان عددهم ٢٣ طفلاً جميعهم ذكور، ومعيار تصنيفهم هو التصنيف في مسابقات الشطرنج التي شاركوت فيها، فوجدوا أن أصحاب أعلى تصنيف(أي نخبة النخبة) لديهم معدل ذكاء أقل من بقية النخبة، ويبدو أن ذلك لأن نخبة النخبة كانت على دراية بالفرق في معدل الذكاء، فوضعت مجهوداً أكبر ألغت عامل الذكاء وأصبح التدريب هو العامل المؤدي إلى التفوق.
الخلاصة: ربما يؤدي معدل الذكاء إلى التفوق في بداية تعلم أي مهارة، لكن التدريب المستمر هو العامل الأساس للوصول إلى الخبرة.
٣- التجربة تثبت خطأ النظرية ..
أجرى أنديرس إيريكسون تجربة على طالب في جامعة كارنيجي ميلون اسمه ستيف فالون، كان هدف التجربة هو أن يعرف كم رقم يمكن لشخص أن يحفظ في ذاكرته قصيرة المدى.
حينئذ، كانت معظم الأبحاث في علم النفس تشير إلى محدودية قدرة الذاكرة قصيرة المدة بعدد قليل جداً من الأرقام، مثل رقم الهاتف أو رقم الضمان الاجتماعي. لكن بعد أسبوعين فقط، قرر ستيف أن يتخلى عن التجربة إذ أنه لم يستطع أن يتعدى حاجز ١٠ أرقام.
هنا غير أنديرس الاستراتيجية وبدء بتقسيم الأرقام إلى سلاسل تتكون من آخر محاولة صحيحة لستيف، فإن تذكر فالون ٧ أرقام، ينتقل أنديرس إلى ثمانية أرقام، ومن ثم إلى تسعة، إذا تلكأ فالون يعود الأول إلى ٨ أرقام.
استطاع فالون خلال ٢٠٠ جلسة تدريب على مر عامين تطوير قدرة الذاكرة القصيرة على الحفظ من ٥ أرقام إلى ٨٢ رقم. يتم قراءة هذه الأرقام بمعدل رقم واحد لكل ثانية، ثم يستذكرها المتدرب مباشرة. كان العدد الأخير الذي حفظه هو:
0 3 2 6 4 4 3 4 4 9 6 0 2 2 2 1 3 2 8 2 0 9 3 0 1 0 2 0 3 9 1 8 3 2 3 7 3 9 2 7 7 8 8 9 1 7 2 6 7 6 5 3 2 4 5 0 3 7 7 4 6 1 2 0 1 7 9 0 9 4 3 4 5 5 1 0 3 5 5 5 3 0